فصل: وثبة أبي تاشفين بيحيى بن خلدون كاتب أبيه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.قسمة السلطان للأعمال بين ولده وما حدث بينهم من التنافس.

كان لهذا السلطان أبي حمو جماعة من الولد كبيرهم أبو تاشفين عبد الرحمن ثم بعده أربعة لأم واحدة كان لزوجها بميلة من أعمال قسنطينه أيام جولته في بلاد الموحدين كبيرهم المنتصر ثم أبو زيان محمد عمر ويلقب عميرا ثم بعد ولد كثيرون أبناء علات وكان أبو تاشفين ولي عهده وقد رفعه على الباقين وأشركه في رأيه وأوجب له الحق على وزراء دولته فكان لذلك رديفه في ملكه ومظهر سلطانه وكان مع ذلك يتعاهد أولئك الإخوة الأشقاء بحنوه ويقسم لهم من ترشيحه والنجاء في خلوته فتنغص أبو تاشفين منهم فلما استفحل أمر السلطان وانمحت من دولته آثار الخوارج أعمل نظره في قسمة الأعمال بين ولده وترشيحهم للإمارة والبعد بهم عن أخيهم أبي تاشفين أن يصيبهم بمكروه عند إيناس الغيرة منهم فولى المنتصر كبيرهم على مليانة وأعمالها وأنفذه إليها ومعه أخوه عمر الأصغر في كفالته وولى أخاهما الأوسط أبا زيان على المرية وما إليها من بلاد حصين وولى ابنه يوسف ابن الزابية على تدلس وما إليها من آخر أعماله واستقر أمرهم على ذلك ثم كان من انتفاض سالم الثعلبي بالجزائر ما قدمناه فنمي إلى السلطان أن ابنه أبا زيان داخله في الخلاف فلما فرغ من أمر سالم كما مر وطرد أبا زيان ابن عمه عن أعماله إلى الجريد أعمل نظره في نقل ابنه أبي زيان من المرية إلى ولاية وهران وأعمالها بعدا له عن العرب المجلبين في الفتن وأنزل معه بعض وزرائه عينا عليه وأقام واليا عليها والله أعلم.

.وثبة أبي تاشفين بيحيى بن خلدون كاتب أبيه.

كان أول شيء حدث من منافسة أبي تاشفين لإخوته أن السلطان لما ولى ابنه أبا زيان على وهران وأعمالها طلبه أبو تاشفين في ولايتها لنفسه فأسعفه ظاهرا وعهد إلى كاتبه يحيى بن خلدون بمماطلته في كتابها حتى يرى المخلص من ذلك فأقام الكاتب يطاوله وكان في الدولة لئيم من سفلة الشرط يدعى بموسى بن يخلف صحبم أيام الاغتراب بتيكورارين أيام ملك تلمسان عليهم السلطان عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن كما مر وخلاله وجه السلطان أبي حمو وابنه فتقرب إليه بخدمته ورعاها له فما رجع السلطان إلى تلمسان بعد مهلك عبد العزيز قدمه وأثره واستخلصه فكان من أخلص بطانته وكان أبو تاشفين أيضا استخلصه وجعله عينا على أبيه وكان هو أيضا يغص بابن خلدون كاتب السلطان ويغار من تقدمه عنده ويغري به أبا تاشفين جهده فدس إليه أثناء هذه المطاولة أن الكاتب ابن خلدون إنما مطله بالكتاب خدمة لأبي زيان أخيه وايثارا له عليه فاستشاط له أبو تاشفين وترصد له منصرفه من القصر إلى بيته بعد التراويح في إحدى ليالي رمضان سنة ثمانين وسبعمائة في رهط من الأوغاد كان يطوف بهم في سكك المدينة وبطرق معهم بيوت أهل السر والحشمة في سبيل الفساد فعرضوا له وطعنوه بالخناجر حتى سقط عن دابته ميتا وغدا الخبر على السلطان صبيحة تلك الليلة فقام في ركائبه وبعث الطلب عن أولئك الرهط في جوانب المدينة ثم بلغه أن ابنه أبا تاشفين صاحب الفعلة فأغضى وطوى عليها جونحة وأقطع أبا تاشفين مدينة وهران كما وعده وبعث ابنه أبا زيان على بلاد حصين والمرية كما كان ثم طلب أبو تاشفين من أبيه أن تكون الجزائر خالصة له فأقطعه إياها وأنزل بها من إخوته يوسف ابن الزابية بما كان شيعة له من بينهم وفيئة في صحبته ومخالصته فأقام واليا عليها والله أعلم.

.حركة أبي حمو على ثغور المغرب الأوسط ودخول ابنه أبي تاشفين إلى جهات مكناسة.

كان أبو العباس بن السلطان أبي سالم ملك بني مرين بالمغرب الأقصى قد نهض في عساكره سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة إلى مراكش وبها الأمير عبد الرحمن بن يفلوس ابن السلطان أبي علي مقاسمه في نسبه وملكه وكان قد سوغ له مراكش وأعمالها عندما أجلب معه على البلد الجريد سنة خمس وسبعين وسبعمائة كما في أخبارهم واستقر الأمير عبد الرحمن بمراكش ثم حدثت الفتنة بينه وبين السلطان أحمد ونهض إليه من فاس فحاصره أولا وثانيا يفرج فيهما عنه ثم نهض إليه سنة أربع وثمانين وسبعمائة فحاصره وأخذ بمخنقه وأطال حصاره وكان يوسف بن على بن غانم أمير المعقل من العرب منتقضا على السلطان وقد بعث السلطان العساكر إلى أحيائه فهزموه وخربوا بيوته وبساتينه بسجلماسة ورجعوا وأقام هو بصحرائه منتقضا فلما جهد الحصار الأمير عبد الرحمن بمراكش بعث أبا العشائر ابن عمه منصور بن السلطان أبي علي إلى يوسف بن علي بن غانم ليجلب به على فاس وبلاد المغرب فيأخذ بحجزة السلطان عنه وينفس من مخنقه فسار يوسف بن علي مع أبي العشائر إلى السلطان أبي حمو بتلمسان يستنجده على هذا الغرض لقدرته عليه دون العرب بما له من العساكر والأبهة فأنجده على ذلك وقدم ابنه أبا تاشفين معهم وخرج هو في أثرهم فساروا إلى المغرب ونزل يوسف بن على بقومه مريبا من مكناسة ومعه الأميران أبو العشائر وأبو تاشفين وجاء أبو حمو من خلفهم وحصر تازى سبعا وخرب قصر تازروت المعد هنالك لنزل السلطان.
وكان السلطان قد استخلف على فاس في مغيبه علي بن مهدي العسكري من عمال دولته ووجوه قبيلته وكان هنالك عرب المنبأة من المعقل قد أخذوا الميرة فأهاب بهم ونزمار بن عريف ولي الدولة من عرب سويد وهو نازل بقصر مرادة من جوار تازى فاستألفهم لمدافعة أبي حمو ابنه وخرج بهم على بن مهدي ثم وصل الخبر باستيلاء السلطان على مراكش منتصف خمس وثمانين وسبعمائة فأجفل أبو تاشفين وأبو العشائر ومن معها من العرب واتبعهم على بن مهدي بمن معه من المنباة وأجفل أبو حمو على تازى ومر بمرادة على قصر ونزمار فهدمه وعاث فيه وانكفأ راجعا إلى تلمسان وفارق ابنه أبو تاشفين أصحابه أبا العشائر والعرب ولحق بأبيه إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.